الانفس الشح
الأنفس الشح تلك التي تحوطنا في خصائص امورنا يظهرون لنا الود والولاء . وهم في حقيقة الأمر يدسون سمهم في صمت كما العقرباء. ولا أبالغ حينما أقول :إن هؤلاء هم أشد ضررا من الأعداء . وقد قالوا قديما : (احذر من عدوك مرة واحذر من صديقك الف مرة ) وما ذاك إلا لأن الذي هو منك اعلم من غيره بثغراتك فيأتيك منها بالمضرة. ولم يذكر القرآن الكريم ذلك الوصف إلا في جانب القرابات ففي القرآن الكريم(وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) ولا نستثني احدا من هذه الأنفس الشح . فنجدها بين الأزواج والإخوة والأعمام والأخوال. الكل يموج في الكل وكأنها ألسنة من النار تلتهم حظها من الحطب . .... . ومن يقرأ القرآن الكريم يجد القصص عن الزوجة الخائنة والولد العاق والأخ القاتل والعم القاسي وزوجة العم الشريرة ويجمع كل ذلك نفوس شريرة حاسدة متآمرة . وفي القرآن الكريم(يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ) فالتحذير من الاقرب بدرجة الزوجة والابن حري أن يفهم منه أخذ الحذر أكثر وأكثر ممن دونهم في القرابة والالتصاق. ومن يقرأ القرآن الكريم في تفاصيله على سبيل المثال.... يجد أن اول جريمة حدثت على وجه الأرض كانت بسبب شح النفس إذا شح قابيل على أخيه هابيل فقتله. والعجيب أن العالم وقتها كان موحشا يحتاج إلى مزيد من سكان البشر وإلى الإعمار . والأعجب انهما اول ذرية آدم أبي البشر ولم تكن قصة خروج آدم وحواء من الجنة عن قابيل وهابيل ببعيد . ولا جرم أن أخوة يوسف عليه السلام جميعا كانوا أبناء نبي وأحفاد نبي بل كانوا أحفاد الخليل إبراهيم عليه السلام. فقد شحت نفوسهم على أخيهم يوسف بعد أن استشعروا منزلته عند الله وعند أبيهم فاستغلوا ضعفه والقوه في غيابة الجب. وإذا سلمنا بأن منهج الأنبياء هو العدل في حكمهم وأهليهم وما ولوا ..... تحتم عن ذلك خروج الصلاح والتقوى من ذراريهم . لكن ذلك لم يحدث ..... وإنما الذي حدث أنهم جمعوا بين مزيج من الحسد والحقد والأنانية والعدوانية وصبوها في كأس التبرير والإدعاء قالوا فيه (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين ) . نعم يا ساده لقد كان ظاهرهم الصلاح وبرروا غايتهم أن يضربوا ضربتهم ليندرجوا في سجل الصالحين . لكن يعقوب عليه السلام كان دقيقا في تشخيص جنايتهم فقال (بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون). فهذان مثلان في القرآن من بيوت الأنبياء . فماذا يكون الأمر في بيوت غير الأنبياء. إننا نعيش مأساة هي أسوأ من أي جريمة . فحينما تكون القرابات حبرا على ورق . يتبرأ بعضهم من بعض ويتكبر بعضهم على بعض . حينما لا يتقابلون إلا في المناسبات وربما لا يلتقون. وحينما يشمت الأخ بأخيه والأخت بأخيها وتنقلب الحياة إلى صراعات ساعتها تكون الوحدة خيرا من كل هذه الأسماء والكيانات التي في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب. لقد رأيت في واقع الحياة أخا يسلم ابن امه وأبيه لأعدائه. ورأيت في واقع الحياة أختا تمتد أعداء أخيها بالمعلومات عنه ليفتكوا به . ورأيت في واقع الحياة اعماما واخوالا يذمون في ابنة أخيهم وابنة أختهم عند زوجها ليطلقها شماتة وتصفية حسابات خسيسة . وفي واقع الحياة نجد ما هو ادهى من ذلك وأمر . فماذا حدث للدماء هل أصابها تشويش فصارت لا تعرف عزيزها من بعيدها ؟ وفي حديث نبي الرحمة صلى الله عليه( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله بحسب امريء من الشر أن يحقر اخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. مع تحياتي دكتور أحمد عشماوي.
تعليقات
إرسال تعليق