الهدم و البناء
الهدم والبناء لا يجتمعان في آن واحد . فمن يبني جدارا ثم يهدمه أو ينقبه في نفس الوقت لا شك أننا سنتهمه بالجنون. إلا عند العرب فالأمر عندهم مختلف فهم يهدمون ما يببنون دون أن يشعرون. فبالقدر الذي ينادون فيه بالقراءة وأهمية التعليم نراهم أمة ابعد ما يكون عن العلم . فالمعلم عند العرب هو أرخص الناس قيمة وثمنا. والغاية في التعليم عندهم تحصيل الشهادات لا حصد المعلومات. وأصبحت أمة العرب في مؤخرة الأمم علميا . وقديما قالوا(إذا اردت ان تهدم أمة فاهدم لهم المعلم ) فأصبح المعلم من فرط فقره يدني بنفسه ويتسول من تلامذته بطريقة لا تليق بمن مهمته تشبه مهمة الأنبياء والمرسلين. وفي الإعلام نرى حظ البرامج الدينية التي تنير الدروب والعقول شحيحا للغاية .... فمدة البرنامج لا تزيد على العشر دقائق إلا قليلا وفي أوقات متوارية في جنح الليل العميق ثم يطلقون على مدار اليوم كله أفلام السينما ومسلسلاتها تشرح تفصيليا كيف ينفلت الإنسان من الأخلاق والآداب والقيم في الزنا والسرقة والإختلاس وحياة البلطجة .... فهي تثير الغرائز عن طريق المشاهد الساخنة وتحرض على الفسق والفجور من خلال شرح مشاهد الخيانة الزوجية . وتأخذ بيد اللصوص إلى الخطط المحكمة لمزيد من السرقات والإختلاسات . وتقنن قانون البلطجة وأخذ الحق بالقوة والعنوة والجبروت . وتطلق صرخة مدوية بأن المجتمع هكذا ولا ينبغي إلا أن يكون هكذا . فالمجتمع كما تصوره السينما والمسلسلات مجتمع داعر فاجر ظالم لا يمت إلى الفضيلة بصلة . والأدهى من ذلك أن السينما والمسلسلات تصور عاقبة الصالح بأنها عاقبة مأساوية يموت الصالح ظلما وكمدا فليس هناك حق ولا عدل وليس هناك عاقبة للمتقين. كل ذلك يحدث فى غياب كامل من الرقابة على المصنفات الفنية واللجان والمؤسسات التي لها دور منوط في ضبط قيم المجتمع ولا استثني من ذلك الأزهر الشريف نفسه ولا أعفيه من هذه السلبية التي أدت إلي تغيير الذوق العام في المجتمع . وأمة بهذه السلبية تبدلت عندها الأدوار فصار السيد فيها عبدا والعبد فيها سيدا وصارت الراقصة أفضل من ألف عالم والمطرب يزن المجتمع بأسره. فجاع من يستحق أن يأكل وأكل من لا يستحق أن يشبع . وظهر الفساد في كل شيء حتى أن الحق أصبح غريبا وأصبح الباطل عاديا وشريفا. وأمة بهذه الكيفية أخطأت في حق جيل بالكامل ومن بعده أجيال . فهي بذلك تهدم ما تبنيه. وفي القرآن الكريم( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) . فاللهم ردنا إليك ردا جميلا وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. ... مع تحياتي دكتور أحمد عشماوي.
تعليقات
إرسال تعليق