تسلط الحاكم
من العجب العجيب أن الله جل في علاه لم يرغم أحدا على حبه او عبادته بينما نجد قضية الحاكمية بين المسلمين اتخذت أشكالا من القهر والتسلط. فلقد عاش نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يبني رجالا ويؤسس دولة دون أن يدعي أنه ملك أو رئيس أو حاكم . وعلى هذا فلم يضع على رأسه تاجا أو ريشا أو ما شابه مما يضعه الملوك . لقد كان يجلس بين الناس واحدا منهم غير مميز عليهم فيأتيه الغريب فلا يكاد يميزه بين الناس . كان يقول أنا محمد عبدالله ورسوله. أتاه رجل فسأل عنه فدله الصحابة على بيته فلما أتى بيته لم يجد عليه حراسا. ولما رآه الرجل ارتعد منه ... فقال له نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم( هون عليك يا رجل فما أنا إلا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة ) . هكذا كان نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم سهلا ميسورا رحمة ورأفة ولينا وحنانا. ومات نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم ولم يترك دينارا ولا درهما بل كانت درعه مرهونة عند يهودي . هكذا كان مطهرا في ذمته من مثقال ذرة من أموال المسلمين رغم أن الله فرض له خمس الغنائم ... ففي القرآن الكريم( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ) ومع ذلك برئت ذمته صلى الله عليه وسلم من أموال المسلمين. وأراد الله ألا يعش لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولدا حتى لا يكون الحكم حكرا على سلسال النبي صلى الله عليه وسلم. حتى يسلم الناس في دنياهم ودينهم فلا يقول أحد إن محمدا صنع الريادة لذريته. بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدنيا ولم يعين أحدا على الناس . بل تركها لمحض مشورتهم واختيارهم. وقال ( اسمعوا وأطيعوا ولو ولي عليكم عبدا حبشيا ) . لكن الناس كادوا يتقاتلون من بعده على من يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم درجة أن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم مات يوم الإثنين ولم يدفن إلا يوم الأربعاء. كانت الأمور مشتعلة للغاية بين ردة المرتدين وكيد المنافقين وعصبية القبائل والمنافسين. والظاهر أن حديث تسبيح الحصى كان ينبأ بالخطر القادم من وراء الفتن المشتعلة بسبب التنافس على الشرف الذي يطلبه الناس من وراء الحكم والمناصب . فقد أخذ نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم نحو تسع حصوات في يده فسبحن حتى سمع الناس تسبيحهن فألقاهن في يد أبي بكر فسبحن ثم ألقاهن في يد عمر فسبحن ثم ألقاهن في يد عثمان فسبحن رضي الله عنهم جميعا ثم ألقاهن رسول الله صلى الله إلى الناس فخرسن ولم يسبحن فقال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم( هذه خلافة النبوة ) ولعل ما يفهم من هذا أن الخلافة في عهد ابي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين كانت على نهج ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس. وفي رواية أن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم دفع الحصى إلى علي رضي الله عنه فلم يسبحن. ولعل هذا إشارة إلى الفتن التي في عهده . نعم إنها الحاكمية التي أطلت برؤوس الفتن فأكلت الأخضر واليابس إذ إنها كانت تفرض على الناس خيارا واحدا إما مع الحاكم أو ضده ومن أجل ذلك ماجت كل العصور بالفتن. ... وللحديث بقية . ..... مع تحياتي دكتور أحمد عشماوي.
تعليقات
إرسال تعليق