السفر أثناء النوم
بقلم : د. أحمد عشماوي
النوم ما هو إلا موتة صغرى يموت فيه الإنسان بشكل جزئي . فحينما نضع رؤوسنا على الوسادة لا نتذكر اللحظة بعينها التي غبنا فيها عن الوعي . والملاحظ أننا نغيب عن الوعي بغير إدراك ونتوه في عالم آخر دون تعب أو إرهاق . ويبقى السؤال: هل الروح هي التي تغيب عنا أثناء نومنا ام النفس ؟. والذي في القرآن الكريم أن النفس هي التي تغيب . ففي القرآن الكريم(الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) لكن تبقى الروح في الجسد لتحافظ على حياة الجسد فتمنح أعضاء الجسد صفة الحياة بلا انقطاع ومن أجل ذلك تأمر الجسد بأن يتقلب بحركة لا إرادية حتى لا تأكله الأرض أو تصيبه قرح الفراش . .... وعلى ذلك فالكلام في النفس وليس في الروح . وعلى ذلك فمستقر أنفس الجميع عند الله منها ما تذهب إليه بغير عودة ومنها ما يبقى عند الله بعضا من الوقت بحسابات البشر . ولعل تجمع الأنفس عند الله هو السر من وراء الرؤى و الأحلام. بل هو السر من وراء التقاء عالم الأحياء وعالم الأموات. فانطلاق النفس من الجسد تعني فك أسر النفس من القيود . وكونها في معية الله تتغير كل القوانين والنواميس الدنيوية فلا حدود . فيتكلم الإنسان في منامه مع الحجر والشجر والموتى والحيوانات والطيور؛ ويطير في الهواء ويمشي على الماء . لا حواجز تصده ولا قيود تمنعه. وفي رحلة النوم يرى الإنسان في منامه العجائب ...... منها ما فيها الغاز ومنها ما هي فك لطلسمات السرائر . ومنها المفرح والمبشر ومنها ما فيه شر ومصائب . كل ذلك يحدث فقط حينما تلتف الأنفس حول اللوح المحفوظ فترى ماذا سيحدث في المستقبل لكن الشياطين تشوش ما تراه الأنفس فيحدث ما يسمى بالتخاليط أو أضغاث أحلام . وفي القرآن الكريم(قالوا اضغاث احلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ) . هنا ينفع النائم طهارته وأذكاره التي قدمها لنفسه قبل نومه فلا تقربه الشياطين أثناء هذه الرحلة المنامية . وفي القرآن الكريم(إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاويين ) . وهذا السر من وراء اختلاف النوام في اختلافهم في الرؤى و الأحلام. فترتسم الإبتسامة على وجه نائم بينما ترتسم الكآبة على وجه نائم آخر بجواره. فكل نائم له عالمه الذي يعيشه أثناء رحلة نومه . ومن هدي نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم ألا نخبر أحدا برؤيا إلا أهل المحبة والنقاء . فهم يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا. ويجيدون الكلام الحكيم الذي لا يجرح ولا يقتل قبل حلول الأجل . وفي هدي نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم لمن رأى مكروها في منامه أن يتفل عن يساره ثلاث مرات ثم ليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ثم ليقرأ المعوذتين ..... فمن فعل ذلك لا يضره مما رآه في منامه من شيء . وفي القرآن الكريم(إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ) . وبعد رحلة قصيرة لا يشعر فيها النائم بالوقت ترد ألأنفس إلى أصحابها عند اليقظة فلا تتوه نفس عن صاحبها بتقدير علام الغيوب. وهي حينما تعود عند الاستيقاظ لا نشعر بالتعب ولا بالإرهاق. كل ذلك بخبرة البديع ساتر العيوب (صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون ) . وهنا يبدأ يوم جديد ثم يأتي الليل ونخلد مرة أخرى إلى فراشنا لنسافر مرة أخرى في معية الله في سبحات الكون. ويتكرر المشهد حتى نهاية العمر وهكذا دواليك . ويبقى الإنسان في حيرة كل صباح مما رأى. والحل والجواب في العلم الخفي في علم الإشارات الإلهية الذي يهبه الله لبعض خلقه بدون معلم هبة ومنحة منه لهم .... وهم على ندرة من البشر وقليل ما هم . فاللهم ما أصبحنا فيه من نعمة وعافية فمنك وحدك لا شريك لك أنت المقدم وأنت المؤخر ولا حول ولا قوة إلا بك. .... مع تحياتي دكتور أحمد عشماوي.
تعليقات
إرسال تعليق