المرء بأصغريه


بقلم د. أحمد عشماوي 
سمع الحارث بن عوف ملك العرب في الجاهلية عن حكيم يقال له ضمرة المعدي من قبائل بني معد العربية . فسره ما أثر عنه وأثلج صدره ما حكي عنه ذكاء وفهما وحكمة وعلما . فأرسل إليه رجالا في ركاب مهيب ليحملوه إليه فينهل من علمه سؤلا.  وما ان دخل ضمرة على الملك حتى صعق الملك . لقد رآه الملك أسود اللون قصير القامة أفطس الأنف اعور العين بوجهه دمامة . فاستقبله الملك متأسفا لنفسه عن خيبة ظنه به فقال له : سماعك بالمعيدي خير من أن تراه . هكذا جرحه بتصغير كلمة معد وتحقير هيئته.  فقال ضمرة وهو حكيم العرب آنذاك : أيها الملك إن أحدنا لم يخلق نفسه  وليس المرء بلونه ولا بحسن بنيانه إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه . فبهت الملك واعتذر له في حاله . انتهى الموقف لكن الدرس لم ينته بعد . إذ إن آفة الناس في تقيمهم للناس تعتمد على ظواهر الأمور درجة ان قال أحدهم : وقد تبين لي أن القماءة ذلة وأن أعزاء الرجال طيالها.  وصار اعتماد الناس في وجاهة من يرونه وجيها على الثراء او القوة والغلبة والصرعة.  وما عدا ذلك للغني والقوي أن يستبيح دماءهم وأموالهم واعراضهم.  فجاء الإسلام ليعيد الأمور إلى أعنتها والموازين إلى نصابها . فاستراح الناس من ظلم الأنانية والعنصرية والطبقية. ليأتي الميزان الإلهي دامغا لكل الموازين البشرية . ففي القرآن الكريم( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) . وعلى هذه الآية فإن كل الشكليات تتبدد لينتصر القلب الذي يحمل الخير على كل مظاهر وأبهات الدنيا . وفي الإسلام فقط  يتكرر موقف ضمرة المعدي في شكل جديد لكن بحكم جديد إذ نادى  عبدالملك بن مروان أمير المؤمنين في الناس ألا يؤمن الحجيج إلا عطاء . فهل يا ترى من عطاء ؟ إنه عطاء بن رباح أحد كبار التابعين وأحد الحفظة الفاهمين المتقنين . إنه تلميذ ترجمان القرآن سيدنا عبدالله بن عباس . لقد كان يشابه صفات ضمرة المعدي في كثير من صفاته الخلقية التي لا يتقبلها الناس لكنه في ظل حكم الإسلام كان سيدا وإماما.  وهكذا تتقدم الإنسانية في ظل عباءة التربية الربانية إذ الإعاقة الحقيقةتكون في القلوب المظلمة بالغل والإستعلاء . وفي القرآن الكريم( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ).  .... مع تحياتي دكتور أحمد عشماوي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دكتور أحمد عشماوي رمز من رموز الأزهر

الأصل في الزواج عدم التعدد

تكريم الإسلام للأم لآخر الزمان