لصوص و لكن



بقلم د. أحمد عشماوي

 اللصوصية مختزلة عند العرب على السارق الذي يسرق الجيوب أو البيوت بيد أن معنى اللصوصية في واقع الأمر نجده  فضفاضا أكثر واوسع اتخذ أشكالا متنوعة من أنواع السرقات المتعمدة وغير المتعمدة . فهناك لصوص يضبطهم القانون متلبسين بسرقة عدد قليل من الجنيهات لا تشفع ولا تنفع لكنهم في نظر القانون مجرمون آثمون يستحقون العقوبة والإذدراء.  لكن السواد الأعظم من اللصوص في زماننا هذا يظهرون بمظهر الشرفاء فهم شرفاء لكنهم لصوص . لا يسرقون ليأكلون لسداد مغصة الجوع ولا يسرقون لشراء ما يقيهم عضة البرد القارص كما هو حال لصوص الجيوب وحتما لا يمدون أيديهم على أموال ظاهرة أمام الناس إنما هم محترفون فيما يسرقون وكل لص له مجاله وطريقته في اختلاس ما يمكن اختلاسه ونهب ما يمكن انتهابه.  وفي النهاية هم الشرفاء في نظر العميان  ...... في حياتهم لهم صولجان وفي مماتهم لهم كامل العرفان . والقاريء في صفحات الواقع يجد مسرحا هزليا يضم ملاييين المشاهد الكوميدية في اللصوصية التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من الحياة العامة والخاصة في حياة الشعوب العربية والإسلامية.  فالسياسي يقف على منابر السياسة يردد الشعارات الرنانة ليكسب الأصوات ثم بعد ذلك يسرق أحلامهم ليكون المكسب له وحده إذ حصد لنفسه الشهرة والتاريخ والأبهة والمال والسلطان.  وهذا أكبر اللصوص لأنه يسرق شعبا بأكمله.  والبرلمانيون الذي يلبسون زي أولاد البلد ويعدون الناس بيسر بعد عسر ثم بعد ذلك يغطون في نوم عميق على مقاعدهم في البرلمان وفي مقابل صمتهم تأتيهم الوعود ببقائهم في مقاعدهم معززين مكرمين.  وهؤلاء لصوص كل عصر وآفة كل دهر لأنهم خدعوا مجتماعتهم وارتشوا من أغنيائهم وخذلوا المطحونين من فقرائهم.  والطبيب الذي يهمل في عمله ويتفرغ لعيادته ويعلي من قيمة كشفه فهو لص . والطبيب الذي يوهم مرضاه بما ليس فيهم ليتربح من الصيدليات ومعامل التحاليل فهو لص . والمدرس الذي يقلب حصته في المدرسة ساحة للقفشات والنكات ليضيع وقت تلامذته ليكون الشرح في الدروس الخصوصية فهو خائن ولص.  والموظف الذي يزور من أجل الحصول على بدلات وأجور من غير ما يستحق فهو لص . والضابط الذي يخالف القانون من أجل رفعته وسيادته فهو لص . والذي يشاهد السرقات ويسكت فهو شريك ولص.  وهلم جر من حكايات عن اللصوص والوانهم ومشاربهم أدت إلى تأخر بلاد العرب والمسلمين فرغم انهم أغنى الناس بسرقاتهم اصبحوا افقر الناس . والناظر في رحمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم يجد أنه راجع المعترفين بجريمة الزنى حتى لا يقام عليهم الحد لكنه لم يقبل الشفاعة في امرأة مخزومية سرقت وقال ( وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) . والخلاصة أننا لو منعنا السرقات وضربنا بيد من حديد على يد اللصوص ما ضاعت احلامنا ولا تبددت اموالنا وحتما لن يكون بيننا جائع أو محتاج. لكن حقا معظمنا لصوص.  ... مع تحياتي دكتور أحمد عشماوي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دكتور أحمد عشماوي رمز من رموز الأزهر

الأصل في الزواج عدم التعدد

تكريم الإسلام للأم لآخر الزمان