تطرف المشاعر
بقلم د. أحمد عشماوي
حينما نحب نحب بعنف . وحينما نكره نكره بعنف . إننا نطلق العنان لمشاعرنا فننحي عقولنا عن ساحة المشهد تماما و لا نفكر في عواقب الأمور . ولا ندرس الأبعاد. إننا ننجرف كغصن انجرف به السيل من علوه دون أدنى تشبس بشيء يحمينا ودون أن تكون لنا مكابح عكسية تسير عكس الإتجاه أو توقف الإنزلاق اللا إرادي. إننا نعطل عمل العقل ونعطه أجازة مفتوحة لنركن إلى القلب الذي نظن فيه الهدى والراحة . وفي كل الأحوال تزداد سرعة دقات القلب في الفرح الزائد وفي الحزن الزائد . وقد ترتعش اليدان وتحمر الوجنتان ولا تثبت القدمان. فنحن لا نصدق انفسنا من روعة الفرحة إذا حلت ولا نصدق انفسنا من هول وفظاعة الصدمة إذا حلت . وفي كل الأحوال نحن في خطر . فالإفراط في الفرح والضحك يميت والإفراط في الحزن والكآبة يميت. ولا عجب في الخطاب الرباني في قوله تعالى(وأنه هو أضحك وأبكى. وأنه هو أمات وأحيا) فترتيب النظم ليس عبثا فالضحك هو الحالة الأولية والبكاء هو النهاية اللا إرادية. والموت هو الزوال والفوات والإنعدام لكنه ليس النهاية بل هو البداية للحياة . فالتقابل في النظم القراني ليس تقابلا ترتيبيا على غرار البداية وإنما تقابل قدري على نحو المشيئة . فنحن لا نعلم ولكن الله وحده يعلم. وفي القرآن الكريم( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) . إننا لا نستوعب الدرس حتى يأتينا مرض السكر الناتج عن الضغط النفسي أو قرينه مرض الضغط الناتج عن القهر واليأس . حينما تأتينا هذه الرسالة لا تأتينا على ورق بلون الورد ولا بعطر الياسمين وإنما تأتينا بعنف لتهزنا بعنف وفي أغلب الأحيان تخلف جلطة دماغية أو سكتة قلبية وحينها تتخلى أرواحنا عن أجسادنا لنكون وجبة دسمة للدود في القبور. إننا واهمون لأننا نبحث عن المستحيل. نعم يا ساده إن السعادةالمطلوبة مستحيلة . فلا يوجد في الدنيا راحة فلا راحة إلا في الجنة . وإنما الذي يوجد في الدنيا من الراحة كلمتان لا ثالث لهما وهما (الحمد لله ) فالحمد لله هي المحطمة لقيود الحزن والأحزان وهي المحجمة لطغيان الفرح والأوهام. وكلمة السر في الإمساك بزمام التقلبات. فبالقدر الذي نرجوا فيه الأحسن ينبغي أن نتوقع الأسوأ. وفي حديث نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم(أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما ) وعلى هذا فلا أحد عدو مطلق ولا أحد حبيب مطلق . وأهل الصفوة لا ينصدمون في أحد لأنهم من باب المبدأ لا يحبون بالعمى ولا يبغضون بالعمى . وفي القرآن الكريم(فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) . وعلى هذا فهم وحدهم من تستوي عندهم مقامات الأخذ ومقامات العطاء . فلا يعولون على مخلوق فالأب قد يتخلى والأم قد تتولى والأخ قد لا يصون والزوجة قد تخون والإبن قد يكون هو العدو اللدود . وإنما الأمل المعقود في من سمى نفسه الودود. فأسعد الناس من ود الودود ووده الودود. ليبقى الود رسائل مشفرة لا يفك طلسمتها إلا أهل الصفوة. فاللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك. ..... مع تحياتي دكتور أحمد عشماوي.
تعليقات
إرسال تعليق