كون ليس له شواطيء
دكتور أحمد عشماوي |
الماضي السحيق هو مجرد أزمنة متراكمة يصعب على البشر عدها أو التكهن ببدايتها . فشهادة الإنسان تقتصر على الحقبة الزمنية التي عاشها أو ما علمها علم اليقين أو ظنها ظنا يشبه اليقين. والإنسان عاجز تماما عن أن يكشف غمار الماضي السحيق . بل إن منتهى ما توصل إليه هو تحليل الكربون الذي اكتشف به عمر الحفريات على نحو الظن والتقريب . وإن أكثر ما توصل إليه من زمن يقدر بنحو خمس ملايين من السنوات . بيد أن علماء الرسالات السماوية يربطون الزمان بهبوط آدم عليه السلام إلى الأرض . ولا يتحدثون عن ما قبل ذلك . وما ذكروه محير وضئيل للغاية لا يتناسب مع كم البشر الهائل . ولا يتناسب مع كثرة القارات والبلاد واختلاف ألسنة وألوان العباد . فبيننا وبين المسيح عيسي عليه السلام يتخطى ألفين سنة بقليل . وبين عيسى وموسى عليهما السلام ألف سنة . وبين موسى ويوسف عليهما السلام نحو الألف سنة كذلك . ويوسف هو حفيد إسحاق وإسحاق هو ابن إبراهيم عليهم السلام . وزمن إبراهيم عليه السلام ليس بعيدا عن زمن نوح عليه السلام. ونوح عليه السلام هو صاحب الهبوط الثاني على الأرض بعد إغراق الله الأرض بالطوفان . فهو الناجي وقتها بالمؤمنين وفي القرآن الكريم(وما آمن معه إلا قليل ) وإذا كان نوح عليه السلام من أحفاد شيث وشيث عليه السلام من أحفاد آدم ممن رأوا آدم عليه السلام . كل ذلك يجعل علماء الرسالات السماوية يرجعون عمر الإنسان لمدة لا تزيد عن عشرين ألف سنة . لكن القرآن الكريم له لفتات تريح الصدر في أن آدم عليه السلام لم يكن هو الأول على وجه الارض. ففي القرآن الكريم(ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون . والجان خلقناه من قبل من نار السموم ) . فالقرآن صريح في أن الجن كانوا عمار الأرض قبل الإنسان. لكن يا ترى : هل كانت الجن هم أول سكان الأرض أم أن خلقا لا نعلمه كان قبلهم ؟ وكيف كان شكل الأرض في أيامهم ؟ ومن هو الخليفة السابق على آدم عليه السلام في قوله تعالى ( وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) هل كان الخليفة السابق الجان أو كان خلق آخرون توسطوا الزمان بين الجنة والناس ؟ لا أحد يقف على حقيقة كاملة . .... إننا في كون ليس له شواطئ إلا شاطئ الله رب العالمين. سبحانه عالم ما غاب وما حضر وما اتضح وما استتر . إننا بدون الله جهل وركام وطي نسيان . أيامنا موحشة مقطوعة وأعمالنا مدونة مرفوعة وأهل الخلود هم من تخطوا حواجز الزمن بانتسابهم لله إذ لا نسب إلا نسب الله . فسبحان من لا عز إلا عزه ولا نسب إلا نسبه . (إن المتقين في جنات ونهر . في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) . ... مع تحياتي دكتور أحمد عشماوي.
تعليقات
إرسال تعليق