لا تكن ظهيرا للظالمين
دكتور أحمد عشماوي |
قصدني احد الأصدقاء لأتوسط له عند رئيسه الذي دأب على أن يضطهده في العمل . وعلى الفور لبيت له حاجته وذهبت إلى رئيسه في مكتبه واستقبلني بوجهه البشوش دون ان يعرف سبب زيارتي المفاجئة . لكنني كنت مغضبا متجهما وأغلظت له الكلام ووجهت له الإتهامات وحكمت بظلمه واستبداده وذكرته بوعيد الله للظالمين . هكذا والرجل ساكت لا يتكلم رغم أنه يكبرني بربع قرن من الزمان . وفي النهاية أفرغت له ما في جعبتي من مطالب وفرامانات واجبة التنفيذ . هنا ابتسم الرجل وقال : يؤسفني أنك حكمت دون أن تتحقق . فقلت له لكن صديقي بكى بكاء مرا وأقسم على ما ادعاه وأظنه لا يكذب في ذلك . فقال لي : القرآن الكريم وحده هو الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) والرسول صلى الله عليه وسلم هو الصادق المصدوق لا يصدر عنه إلا الصدق عصمه الله من الكذب . وأما ما يصدر من البشر فهي أخبار تحتمل الصدق وتحتمل الكذب . فكان أولى بك يا دكتور أن تتثبت قبل أن تتعاطف تجاه أحد وتحكم مسبقا . ألم يقل الله سبحانه وتعالى (فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) . هنا استشعرت الحرج بعد أن أطلق الرجل رصاص الإستفاقة متحدثا بالحجة من الشرع والمنطق . لكني عزمت على ألا أنهزم أمامه رغم ما قاله الرجل فطلبت مواجهة صديقي به فرحب الرجل أيما ترحيب . وحينما استدعيت صديقي للمواجهة واحتدم الجدال هنا انكشفت الحقيقة المرة وظهر صديقي كاذبا في كل كلمة قالها لي. لقد كنت في موقف لا أحسد عليه. فحاولت أن ألملم بعض الكلمات للخروج من المأزق . وبعدها خرجت من عند الرجل بعد أن اعتذرت له وقبل اعتذاري وتذكرت قول موسى عليه السلام( رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ) . لقد تعلمت الدرس جيدا .... واستوعبت أن ترتيب الكلام وإحكامه ليس دليلا على صدقه وقوة موقف صاحبه . واستوعبت أن المكثرين من الحلف بالله حتما لا يصدقون أنفسهم ويعلمون انهم يكذبون من أجل ذلك يحلفون دون أن يطلب منهم قسم . واستوعبت أن الحق ليس له وجوه وإنما نحن من نجعل له ألف وجه . واستوعبت أن الذين يدافعون عن اهل الباطل ويتوسطون ويتشفعون لهم هم شركاء في الجريمة إذا كانوا على علم بالجريمة . واستوعبت أن التاريخ نفسه يحتاج إلى مراجعة لأنه كتب برؤية واحدة تتبع شخصا له توجه واحد دون حيادية . واستوعبت أن محاكم الدنيا لن تنصف بريئا كما ينبغي وفي الوقت ذاته لن تعاقب مجرما كما ينبغي . فثغرات القانون هي عين العقبة في وجه القانون . واستوعبت أن باطل الدنيا اكثر من الحق فيها وأنه لا حق إلا أمام الملك الحق الذي لا يظلم مثقال ذرة . ولا ينفع في محكمة الله بين يديه شهود زور ولا محامي يلعب بالثلاث ورقات . كل ذلك لا يجدي ولا ينفع فالجريمة ستأتي يوم القيامة كاملة وسينطق كل شيء (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ) وفي القرآن الكريم( ها انتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم يكون عليهم وكيلا) . فاللهم أخرجنا منها لا ظالمين ولا مظلومين . ...... مع تحياتي دكتور أحمد عشماوي.
تعليقات
إرسال تعليق