الدموع انفعال صامت
بقلم : دكتور أحمد عشماوي
الدموع ليست قطرات من الماء الأبيض كما نراها. وإنما هي حالة إنفعالية تحمل في كل ذرة من قطراتها كما هائلا من الحزن والألم . فلا يوجد خلف العين خزان من المياه تجرفها العين إلى الخارج وقت ما تشاء . ولكنها مجموعة من الإشارات اليائسة المتبادلة بين المخ والقلب والعين لا تجد جوابا ولا حلا ولا ملاذا فتنسكب الدموع معلنة الإفلاس والعجز التام عن دمدمة ما حل بالنفس من جروح . وأصعب دموع صادفتها في حياتي دموع طفل محروم كان يبكي بحرقة يشكو قسوة من حوله فلا هم منحوه وأعطوه ولا هم تركوه بل بكتوه وعايروه ونبذوه. ودموع امرأة ضاع منها جنيها واحدا كان بالنسبة لها كل ثروتها فانسابت دموعها بعد ان حاولت إخفائها لكنها لم تنجح فى كتمان مصيبتها وكنت وقتها صغيرا لا مال لي غير أني كنت أمتلك فعلا جنيها ادخرته بعد عناء من مرور الأيام فأخرجت لها الجنيه من حافظتي عوضا عن جنيهها المفقود لكنها رفضت وانصرفت ولم ألتقي بها حتى اليوم وأظنها الآن في عداد الأموات. ودموع شاب بلغني أنه مريض فذهبت لأزوره وما أن رآني حتى اجهش بالبكاء وقال لي : أنا هموت يا أحمد. فعجزت عن الكلام ماذا سأقول له والدنيا حلوه خضرة والمقابر صامتة مخيفة . لقد عجز لساني عن النطق لدقيقتين ثم تكلمت بصوت خافت متقطع .... وما الذي يسرك من هذه الحياة التي كلها مرض وألم وظلم وقهر إنك مهما عشت فإنك ميت ولعل بلقائك لله يعوضك الله وما عند الله خير وأبقى .. فرضي الرجل واقتنع بكلامي وأمسك عن البكاء ...وفي اليوم الثاني أبلغوني بوفاته فمشيت في جنازته وكانت روحه تناجيني انا وحدي من بين الناس . ودموع مظلوم كانت كل أحواله عاسرة كان كل ذنبه أنه كان مخموما طيب القلب لا يعرف غدر الناس ولم يجد من الناس من ينقذه فرفع شكواه إلى قاضي السماء فكان لتدابير الله له ما يكتب في مجلدات إذ أبدع الله في تصفية الحسابات. نعم يا ساده إن الدموع عزيزة غالية لا تفيض من العين إلا لأمر جلل . والسعيد من الناس من يمسح دمعة من عين مسكين او محتاج او مظلوم هذا وحده من يستحق وسام الإنسانية.
تعليقات
إرسال تعليق