ذكرى في سرادق العزاء
بقلم د : أحمد عشماوي
دخلت مع مجموعة من الزملاء إلى سرادق لتأدية واجب العزاء في فقيد لقريتي . وكنا وقتها حديثي التخرج قليلي الخبرة . كنا عاطلين لا عمل ولا حرفة . وكان الزملاء يعتلون المنابر ولهم كيان وشهرة . أما أنا فكنت قليل الحيلة خائب الرجاء . كان الخجل يمتلكني وكانت الدموية تعلو بشرتي البيضاء درجة ان البعض يرى خجلي كخجل الفتيات . لقد كانت مواجهة الناس والجلوس في الحشود الكبيرة من الأمور الجلل التي تتسارع فيها دقات قلبي وترتعش لها يداي النحيلتان . فأدخلنا الناس في السرادق قريبا من قراء القرآن الكريم. وجلسنا نستمع للقاريء وسرعان ما أنهى القاريء بصدق الله العظيم . ليتوجه إلينا أحدهم يقول :فليتفضل احدكم بإلقاء كلمة . وكان من الأدب أن يعرض بعضنا على بعض وكنت بالطبع خارج باب المنافسة فرفضت تماما الكلمة بعد ما أصابني الذعر خوفا من أن يجمعوا أمرهم على أن أكون أنا المتحدث . كانت لحظات عصيبة مرت على خير بعد ما قام أحدنا ليتحدث وكان اكثرنا جرأة وبلاغة وعلما . فتكلم فأجاد وأفاض حديثا عن ألم الموت وعذاب القبر . وبعد أن انتهى من كلمته ناداه أحد عظماء القرية بصوت عال وكان قد بلغ من الكبر عتيا .وقال : يا بني لقد تكلمت عن العذاب في الموت والعذاب في القبر ولم تتكلم عن رحمة الله. وهل يعقل يا بني ونحن في هذه السن الكبيرة أن ندخل القبر فنجد الجلادين يجلدوننا بالكرابيج ويمدوننا على أرجلنا في الفلقات؟ أين من كلامك آيات المغفرة؟ وأين من كلامك آيات الرحمة ؟ لقد أرعبتني يا شيخ وانا في سني هذه ... انتهى الموقف ولكنني استوعبت الدرس جيدا . لقد أيقنت أن الخطاب الديني يحتاج إلى تجديد. وأن التركيز على آيات العقاب والوعيد تجعل من الواعظ أحادي الرؤية كالأعور الذي لا يرى إلا بجانب واحد . لقد أيقنت بحسن ظن هؤلاء الكبار في الله الذي كتب كتابا عنده فجعله فوق العرش قال فيه ( إن رحمتي غلبت غضبي ) . وتذكرت حديث نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم( لو يعلم الناس ما عند الله من الرحمة ما يئس أحد من رحمته ) . لقد كنت وإلى الآن ألوم على الخطاب الديني المعتمد على الترهيب في أنه كان سببا في انزعاج الناس وفي قنوطهم وفي انصرافهم. لقد سبحت كثيرا في مواقف القرآن الكريم والرسول الرحيم فوجدت أننا كدعاة لم نفهم معنى الرحمة لذا لم ننعم بها . وكيف ننعم بشيء جعلناه بعيد المنال . وفي حديث نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم( الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) . مع تحياتي دكتور احمد عشماوي.
تعليقات
إرسال تعليق