الرد على شبهة شعائر الحج لا تختلف عن أعمال أهل الجاهلية
بقلم د : أحمد عشماوي
تثار شبهة من أعداء الإسلام حول الحج وخلاصة قولهم إن الإسلام لم يختلف عن أهل الجاهلية في الوثنية وعبادة الأصنام فالكفار كانوايعظمون الأصنام وهي من الحجارة والمسلمون يعظمون الكعبة وهي من الحجاره — ويروجون لشبهتهم بقضية تقبيل الحجر الأسود والإشارة إليه كما أنهم يمثلون الهدي المقدم للحرم بما كان الكفار يفعلونه من الذبح عند النصب .
من ثم رأيت أن الأمر خطير وأنه يحتاج إلى مناقشة من خلالها ندفع الحجة بالحجة فأقول مستعينا بالله وتوفيقه .
أولا : إن المسلمين على طول الدهور المتعاقبة يحجون البيت الحرام ولم يتطرق إلى ذهن واحد فيهم أنه يعظم الكعبة بمعنى العباده فيعبدها كما يعبد الله — هذا لم يرد أبدا عن واحد فيهم بل إنهم يعظمون البيت عظمة إجلال لله الذي أمر بذلك في نحو قوله تعالى : { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ذلك لأن العبادة هي محض اعتقاد من العابد تجاه المعبود بأنه الخالق والمقدر والنافع والضار وأنه بيده الثواب والعقاب ولم يحدث أن واحدا من الناس اعتقد في الكعبة أو الحجر الاسود من نحو هذه الصفات الآلهية بل إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما طاف بالبيت وأراد أن يقبل الحجر الاسود قال :
( والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك). فدل هذا على أن المناسك جاءت توقيفية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها المسلمون من نحو قوله صلى الله عليه وسلم(خذوا عني مناسككم)
ثانيا : الدليل على أن الامر لا يعدوا عن كونه امتثال لشرع الله أننا نقبل حجرا ونرمي حجرا بحجر فسبحان من هذه أوامره ولو كان الأمر عبادة للحجر لكانت كل الحجارة سواء .
ثالثا : أنه لو كان الأمر عند المسلمين فعلا هو عبادة الحجر لكان الناس قد اتخذوا للكعبة والحجر الأسود مجسمات على نحوهما فيصبح المرء من نومه على تقبيلهما في بيته ويمسي على تقبيلهما كما فعلت بعض طوائف النصاري بالصليب وتماثيل للمسيح عيسى عليه السلام وأمه السيدة مريم — لكن هذا لم يحدث عند أي من آحاد المسلمين على الإطلاق فدل ذلك على وعي المسلمين وتفريقهم بين العبادة والتعظيم.
رابعا : تقبيل الحجر الأسود هو ما عليه أكثر الكلام وندحض شبهتهم فيه بأنه حجر له خصوصية من وجوه: 1- أنه ليس من جنس ما على الأرض من حجاره وإنما هو ياقوتة من الجنة كما في الأحاديث النبوية ولا يخفى أن علماء ألمانيا جندوا واحدا لأخذ عينة من الحجر الأسود وبعد بحثهم ودراستهم على العينه توصلوا إلى أن الحجر الاسود ليس من جنس أنواع حجارة الأرض كما اكتشفوا أن للحجر شعاعا يخترق الأجسام إلى أبعد من 2 كم .
2 – جاء في الحديث الشريف (الحجر الأسود من الجنة) رواه أحمد .
فدل على أن وجوده في الأرض وهو ليس منها لحكمة آلهية أراها أن الله جل وعلا جعل الحجر بمثابة شاهد على من لبى نداء الحق والإيمان وتفصيل ذلك نفهمه من قوله تعالى ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) . وشرح ذلك أن الله لما خلق آدم عليه السلام مسح على ظهره فأخرج جميع ذريته إلى قيام الساعة على هيئة الذر ثم سألهم هذا السؤال ألست بربكم؟ فأجاب الكل بلى فأودع الله هذه الشهادة في الحجر الأسود وأنزله إلى بيته ليكون شاهدا على من لبى ودأب دأبا حثيثا في الوفاء بعهد الله.
ويدل على ذلك أمره صلى الله عليه وسلم لمن لم يستطع الوصول للحجر لتقبيله أن يشير إليه بيده وهذا دليل على أن الحجر الأسود ليس أصما كما يظن البعض وإنما بمثابة كاميرا تصوير يصور الناس وإلا لما كان للإشارة باليد إلى الحجر الأسود معنى ويؤكد هذا الكلام ما توصل إليه الخبراء الألمان من أن للحجر شعاعا نافذا يخترق الاجسام إلى أبعد من 2 كم .
3- معنى التقبيل للحجر ما هو إلا رمز للحب لمن علمنا أنه من عند الله مثله كمثل تقبيل المصحف الشريف:
فالذي يقبل المصحف لا يقبله على أنه أوراق أو حبر وإنما يقصد ما فيه من كلام الله — ونحن نرى من أمثلة الواقع حينما تنادي امرأة مسنة على أحد أبنائها ليقرأ عليها رسالة أتت من ابنها الأكبر الذي يقيم في الخارج وبمجر أن ينتهى من قراءة الرسالة تأخذ الأم الرسالة فتضمها إلى صدرها وتقبلها فهي لاتقبل الورقه وإنما تقبل عبق ما أتى من عند ابنها حبيبها وفلذة كبدها فالتقبيل رمز على معنى الحب كما أن رمي الجمرات رمز على معنى الكره والبغض للشيطان ووساوسه فالمسألة عبارة عن رمزية في المعاني وليست عبادة للحجارة كما فهم أعداء الاسلام.
خامسا : الذبائح والهدي ما هي إلا توسعة على فقراء أهل هذا المكان الطاهر استجابة لدعوة إبراهيم علي السلامرَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ). فهي توسعة ورزق لأهل هذا البلد الأمين وفي نفس الوقت تخليدا لفدو إسماعيل من الذبح بذبح عظيم بما أراده الله من امتحان إبراهيم وإسماعيل في الصبر في قصة رؤيا إبراهيم أنه يذبح ولده وحيده في ذلك الوقت إسماعيل أما عن كون الذبائح تذبح بطريق أهل الوثنية فهذا لم يقل به أحد من المسلمين والله وضع الفصل في ذلك بقوله: لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين } . فنزهت هذه الآية جناب الله عن مثل أفعال المشركين بذبائحهم عند أصنامهم.
سادسا: كل مناسك المسلمين في الحج ما هي إلا رمزية لقضايا مهمة تمس الإيمان بالله واليوم الآخر :
فمثلا ملابس الإحرام تمثل رمز الكفن للميت فالكل قد ترك أهله وماله كما يترك الميت أهله وماله ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون الأنعام آية ( 94 ) . كذلك هذا الحشد الهائل من الناس على اختلاف أجناسسهم وألوانهم ما هو إلا رمز للبعث والحشر فهو يمثل لمن لم يصدق بالبعث (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير ) . واتحادهم في كل المناسك فعلا وقولا ووقوفم بجانب بعضهم البعض دون عنصرية ولا تفريق على أساس لون أو عرق كل ذلك رمز على العدالة الإسلامية وأن الكل عند الله سواء كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على عجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح.
كل هذا يدل على الحج بأعمال ومناسك يلفظ كل شبهة تحوم حول الوثنية وأن الدين لله خالص اللهم اكتب لنا عودا لبيتك الحرام وارزقنا زيارة لنبيك مسك الختام وانفع بكلامنا هذا واجعله في ميزان حسناتنا في الدنيا والاخرة.
الدكتور أحمد عشماوي.
تعليقات
إرسال تعليق