الحكم بالأفضل يؤلف القلوب
بقلم د : أحمد عشماوي
اختصما رجلان عند سيدنا داود عليه السلام أحدهما صاحب زرع والآخر صاحب غنم . فشكى صاحب الزرع أن غنم الآخر رعت زرعه ليلا فأكلته حتى أفنته عن آخره . فحكم داود عليه السلام لصاحب الزرع أن يأخذ الغنم لنفسه فثمنها هو نفس ثمن الزرع المأكول . لكن سليمان عليه السلام كان حاضرا الموقف ولم يزل صبيا آنذاك ... فاستأذن في الكلام وقال : لكني أرى غير ذلك .... أرى أن تدفع الغنم لصاحب الزرع فينتفع بألبانها وأصوافها وتدفع الأرض إلى صاحب الغنم فيصلحها ويعيد زراعتها حتى إذا أعاد ما كان فيها من زرع ترادا فيأخذ صاحب الزرع زرعه ويأخذ صاحب الغنم غنمه . فمدح الله جل في علاه حكم سليمان وقال : (ففهمناها سليمان ) وأورد القصة في قوله تعالى في سورة الأنبياء( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين . ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ) ورغم أن الله مدح حكم سليمان وارتضاه إلا إن ذلك لا يقدح في قدر داود عليه السلام فليس في الموضوع أن الأصغر وفق عن الأكبر ولا في الموضوع أن الإبن أتى بما لم يأت به الأب . فالله سبحانه عقب بهذه الجملة دفعا لما يجول بخاطر البعض من جعل الأمر جولة يفوز فيها أحدهم وينهزم فيها الآخر فقال : ( وكلا آتينا حكما وعلما ) وغاية ما يقال في الأمر إن داود عليه السلام حكم بالعدل وإن سليمان عليه السلام حكم بالفضل . انتهت القصة وتبقى العظة والعبرة . ..... فإن كونك صاحب حق لا يعني تدمير الآخر .... بل إن الإحسان إلى الغير مطلوب حتى في أقسى درجات الخصومة . فصلاح الكون ليس في أن يعيش أحدهما ويموت الآخر . بل إن الدنيا قائمة على الإصلاح المبني على ترضية النفوس واستمالة العقول . وهنا تظهر المعادن النفيسة في البشر ليجنوا من إصلاحهم رضا وصلاحا ومن إخلاصهم خلاصا . وإن الله قد مدح قوما فقال ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) وإن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يترقى في درجات السماحة والعفو فإن العفو لا يزيد المظلوم إلا رفعة . وفي القرآن الكريم( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) وفي القرآن الكريم( فاصفح الصفح الجميل . إن ربك هو الخلاق العليم. ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) ومن هنا كانت وصية نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم للناس بأن يتعافوا فيما بينهم لأن مجلبة الخصوم عند القاضي تورث الكراهية والضغائن . .... وفي حديث نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم ( تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب ) . وفي نهاية المقام تبقى النفوس الطيبة هي سيدة المواقف الحرجة ليكون الكرم متبادلا بينها وبين الكريم الذي لا أحد أكرم منه وفي القرآن الكريم( فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ) . فاللهم اكتبنا في عبادك المحسنين . ... مع تحياتي دكتور أحمد عشماوي .
تعليقات
إرسال تعليق