نحن حالات متطورة
حينما ندخل المستشفيات للعلاج يصفوننا بالحالة . وحينما نموت يقولون عنا الجثه أو الجثمان أو الحالة أو الأمانة او المرحوم. ..... وكأنهم لا يعترفون بنا إلا في حالة واحدة وهي حالة الصحة أو القوة أو بمعنى أصح في حالة الإقدام على الأقدام وعدم الإحتياج للآخرين. والحق أننا في كل الأحوال نعيش حالة طارئة لا تثبت ولا تدوم . فالبنية والجسد الذي تلبسه الروح ما هو إلا حالات وأطوار منذ كان الإنسان أمشاجا في بطن أمه. وفي القرآن الكريم( مالكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوار ) فنحن عبارة عن حالات متطورة في داخل بطون الأمهات نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظام فكسيت العظام باللحم (ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله احسن الخالقين ) ثم بعد ذلك تأتي الحالات وليد فرضيع ففطيم فصبي فغلام فمراهق فشاب فكبير مسن فشيخ فمعمر فعجوز هرم. ثم إن الإنسان له حالات بين الضعف والقوة (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبا يخلق الله ما يشاء والله على كل شيء قدير ) فالصحة حالة متأرجحة في حياة الإنسان بين الضعف والمرض والصحة أنواع والمرض أنواع . وفي النهاية نحن نعيش حالة وقتية ليس لها قرار . حتى الغنى والفقر والعز والذل والسيادة والسوقة كلها حالات تعتري الإنسان الواحد في الأزمنة المتقاربة وفي القرآن الكريم(وتلك الأيام نداولها بين الناس ) . وعلى هذا فمن الخطأ الكبير أن يظن الإنسان أنه في استجماع من أمره وأنه ثابت لن يتغير . فإن الله إذا أراد شيئا خلق له أسبابه. وأهل البصيرة يعيشون على حذر يبدأون يومهم على طهارة في الجسد ونقاوة في القلب ويختمون يومهم باستعراض كشف حساب عن ذلك اليوم الذي عاشوا فإن كان خيرا حمدوا الله وإن كان غير ذلك استبرأوا لدينهم فردوا المظالم واستغفروا ربهم. وأما أهل الغفلة فيعيشون في طغيان لما أوهمتهم حساباتهم بالديمومة في النعم وأنهم فوق حسابات البشر وأنهم لا تعتريهم الحالات . وفي القرآن الكريم( الله يستهزأ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) نعم إنهم عميان عن الحقيقة أصابهم الله بالعمه مأخوذ من العمى لكونهم في حيرة وتردد من أمرهم. ومد الله لهم في طغيانهم يعني أنه جمع لهم الأسباب وزوردهم بالقدرات. لكن كل ذلك ما هو إلا حالة . ثم تأتي لحظة الصفر فيتزلزل الجبل الشامخ ويفور البركان الصامت ويأتيه الموت من كل مكان حتى يلف في قطعة من القماش اسمه الكفن ليكون في عداد الحالات . وفي القرآن الكريم( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) . إننا نعيش الحالة ونحسب أنها تدوم رغم أننا نعرف انها لم تدم لغيرنا لو دامت لغيرنا ما وصلت إلينا . فمن قبلنا كانت الحالات وأصبح الكل في عداد الأموات فمات الحاكم ومات المحكوم ومات الظالم ومات المظلوم . ومات الغني ومات الفقير ومات الصحيح ومات السقيم وما بقي منهم إلا مجموعة من الحالات يحكيها لنا التاريخ في مجموعة من السطور . فمنهم الأشقياء ومنهم السعداء لكن في موازين الله حتما ستتغير هذه الحالات . وستتغير الصفات وسيأتي الخلود بمعنى الديمومة والثبات . ليكون الفرح في الآخرة هو الفرح الحقيقي ومن ثم جاءت الآية الكريمة ضاربة استعلاء أهل الدنيا ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد . متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ) والخلاصة أن الدنيا حالة فمن كان فيها في نعمة فليشكر ومن كان فيها في بلاء فليصبر فالحالة في الدنيا زمنها محدود لكنها في الآخرة حساب بغير حدود . ..... مع تحياتي دكتور أحمد عشماوي .
تعليقات
إرسال تعليق