سن الأربعين
سن الأربعين سن فاصل في حياة الإنسان . فمن بلغ الأربعين بلغ ذروة الشباب والقوة. ومع سن الأربعين تسكن عواصف القلق والأرق والمنافسة في الحياة . وفيه تخلد النفس إلى خلوتها طويلا طويلا لتبدأ رحلة البحث عن الذات . وفي هذه الفترة غالبا ما يفقد الإنسان فيها أباه وأمه لتذهب سكرة الأنس ويتلاشى الجبل الذي كان بمثابة السند الذي هو الأب وينقطع ينبوع الحنان الذي هو الأم .وربما في كثير من الأحيان يموت أخ أو أكثر فتأتي الصدمة تلو الصدمة لتفقده شركاء حياته ليجد نفسه وحيدا مضطرا للإعتماد على نفسه في مواجهة التحديات والمسئوليات الضخمة التي ألقيت على عاتقه. ومع سن الأربعين يستفيق الإنسان على كارثة ذهاب العمر في لا شيء .ومع مشيه في الطرقات يبتسم للأطفال وهم يمرحون ويلعبون متذكرا طفولته وصباه إذ كان يوما مثلهم لا يبالي بأي شيء ولا يحمل هم أي شيء . وبعد خطوات يرى المشادات والمعاركات فيحزن على صراعات الناس على شيء لا يساوي أي شيء . ومع هذه الحكمة التي تتولد بداخله ومع هذا السلام النفسي الذي يعيشه سرعان ما يشكو من بعض الآلام والاوجاع ليكتشف أنه مصاب بمرض الضغط ومرض السكر ليبدأ في العد التنازلي تجاه الضعف والمرض بأنواعه ونهاية بالموت. وفي هذه الحالة يتمنى ان يعود به الزمن ليعيش طفلا بريئا نقيا لا يصارع على الدنيا ولا يحمل الأمور فوق طاقتها. نعم لقد أيقن أن السكر والضغط هما فاتورة الضغط النفسي والعصبي جراء محاولة إثبات الذات في معتركات الحياة . هنا تنسكب الدموع ومع كل قطرة من دموعه حكاية من حكايات شقاء العمر وغدر الزمن . ومع رحيل الأب والأم وانشغال الإخوة بأحوالهم يجد نفسه وحيدا في حلبة الصراع مع أولاده وزوجته الذين هم في الغالب يجدهم متنكرين لدوره متناسين لبطولاته مقللين من شأنه متمنين أن يفسح عنهم حتى ينطلقوا في ربوع الحياة . لقد اختلفت روابط الأسرة فلم تعد الزوجة في أيامنا هذه أيام المادية البحتة والتكنولوجيا المفرطة كالزوجة الصالحة الغافلة في الماضي . ولم تعد الأم في هذه الأيام مدرسة كالأم التي كانت بين اولادها كالقاضي كما كان في الماضي . ولم تعد الأولاد تحب أو تعذر كما كنا في الماضي . لقد اصابتنا وحشة في الحياة وصرنا نرى كأننا ضيوف غير مرغوب فيهم وما ذلك إلا لأننا دفعنا الفاتورة كاملة عن تغيرات الزمن وحداثة مخترعات الهواتف والإنترنت دون أن نطعم أولادنا لقاح القيم ضد الأفكار الهدامة والعادات المنحلة . هنا فقط يستفيق الأربعيني على الفاجعة التي أحاطت به من كل جانب ليحاول بقدر الإمكان أن يعالج بعض ما تنفع فيه المعالجات حتى يرحل في صمت . وفي القرآن الكريم ( حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وأن اعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين. أولئك الذين نتقبل عنهم احسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) . فاللهم احسن خاتمتنا وتوفنا وانت راض عنا . .. ..... مع تحياتي دكتور أحمد عشماوي.
تعليقات
إرسال تعليق