جمال المظهر لا يرتبط بجمال الجوهر

بقلم دكتور: أحمد عشماوي
الحكم على الأشياء من مجرد البدايات أحكام ظالمة. فالسطحية في أحكامنا من خلال الانحياز بسبب النظرة الأولى العابرة قد تضرنا ولا تنفعنا. وجمال المظهر لا يرتبط بجمال الجوهر . وقبح المظهر لا يدل على سوء المخبر بل إن النظرة الشكلية قد تتوه عن واقع الأحكام الصحيحة فتبريء مجرما وتجرم بريئا. ومن هنا كان منهج الإسلام التمهل والتروي في إصدار الأحكام. وفي حديث نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم( إن الله يحب الرفق في الأمور كلها) . ومن أجل ذلك كان التثبت والتحقق من الأحكام واجبا شرعيا... لذا جاء في القرآن الكريم( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) . وآفة الناس أنهم لا ينظرون إلى المستقبل بقدر ما ينظرون إلى لحظتهم وتوهم الراهن. من أجل ذلك كانت العجلة هي العيب الكبير والمرض الخطير عند الإنسان. فهي تعميه عن غده المثمر ومستقبله المشرق وتجعله يرضى بأخس الأشياء وأدنى المنازل . وفي القرآن الكريم( كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة ) ( خلق الإنسان من عجل ) ( وكان الإنسان عجولا ) ( وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ) . هكذا تكون العجلة خسرانا في تحصيل ما يستحق التحصيل واستبقاء على ما يستحق التحقير . والذي يلاحظ في القرآن الكريم أن الله جل في علاه يعلمنا في كل موقف حسن الأدب في إدارة الأمور . ولولا سير الأنبياء وفق منهج التأني والصبر على الغير لربما هلك الناس جميعا. ففي الوقت الذي جاء فيه سحرة فرعون في حشد عظيم وسحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم فمن يراهم وقت ذلك يمقتهم ويسبهم ويلعنهم لكن ما هي إلا لحظات تمر حتى أعلنوا إيمانهم وسجدوا لله طائعين. ومن يقرأ سيرة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يراه في غاية الصبر وفي قمة الحرص على الناس حتى لانت قلوب كتب الله هدايتها فأسلم خالد بن الوليد وانقلب من حربة على الإسلام إلى سيف الله المسلول . وأسلم عمرو بن العاص وفتح الله على يديه مصر. وهكذا انقلبت موازين الشر لصالح الإسلام والمسلمين بفضل نبي استجمع الرحمة في قلبه ولم يستعجل عليهم بالعذاب ولم يدعو عليهم . وفي القرآن الكريم( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم . فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ) . وعلى هذا فإن إصلاح الناس ليس مستحيلا بل يحتاج إلى حكمة في اختيار الكلمة المناسبة والوقت المناسب والقلب الكبير الذي يتسع الجميع ويتفهم جانب بشريتهم. عند ذلك سنجد عجائب الله في تحويل الأدوار وتغيير الأقدار. لكن من يصبر ؟ ومن يعذر؟ ومن يحرص؟ ومن يبكي على من أفلت من مصائد الهداية ؟ ومن يرحم بلا مقابل ؟ حتما نحن نسير في طريق قليلي الحيلة وضعيفي العزيمة .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دكتور أحمد عشماوي رمز من رموز الأزهر

الأصل في الزواج عدم التعدد

تكريم الإسلام للأم لآخر الزمان